دع عنك لومي
قصة القصيدة: يعارض الشاعر في هذه القصيدة أبا نواس في قصيدته الشهيرة، ويحاوره ويضمّن القصيدة الرد على منتقديه والمفترين عليه في إدارته لمؤسسة حمد الطبية
(دَعْ عنكَ لَومِي فإنَّ اللومَ إغراءُ) قصيدةٌ قالها فحــــلٌ ووَشَّـاءُ
إنِّي أعارِضُ ما فيها بخـــاطِـرةٍ من القوافي بها صدقٌ وأصـداءُ:
لولا التعفُّفُ ما لامتكَ عَفْـراءُ وهاجمتْ حكمتي العَصْماءَ حَوّاءُ
وقلتُ قولَ النَّواسي في شقاوتِه: (لو مسّها حَـجَرٌ مسّتهُ سَرّاءُ)
وما لمَستُ ِسوى الأوراقِ أمسحُها حتى تفجّرَ من أطرافِــها الماءُ
وفاحَ في البيتِ عودٌ لستُأحرِقُه أرى الدُّخانَ وما (في العينِ إغفاءُ)
وقد تيقّنتُ أنَّ الجِـنَّ قد وَفدتْ أو ابنَ هاني وفي كفَّيه صَهباءُ
فقام من صَفحةِ الدُّخَّانِ مُنتَفِضاً أبو نواسٍ وما في صـــوتِهِ داءُ
يُردِّدُ الشِّعرَ أحكاماً بفلســفةٍ: (حَفِظتَ شيئاً، وغابتْ عنك أشــياءُ)
عِشْنا ببغدادَ في عِزٍّ وفي دَعَةٍ ( كانت تَحِلُّ بها هِندٌ وأسمــاءُ)
ذُقنا بها الحُبَّ لا الصهباءَ معذِرةً قد بدَّدَ الليلَ (أنوارٌ وأضـواءُ)
نقول شِــعراً بلا فِعلٍ يؤثِّمُـنا فالإثمُ في الفعلِ والأشعارُ أهواءُ
وقد عشِقتُ كلامَ العُرْبِ من صِغري فإن ظلمتُـكمُ فالظُلْمُ ظَـــلمــاءُ
أستغفرُ اللهَ من قولٍ ومن خَطَــلٍ إذْ قدْ خَطِـئتُ وإنَّ العبدَ خَطَّاءُ
فكيفَ بغدادُ؟ أخبِرْني هل ازدهرت؟ هل الحيـاةُ بها يُسرى ورغداءُ؟
وهل خليفتُنا يَحظى بِــوُدِّكمُ والعزفُ في القصرِ ألحانٌ وأصـداءُ؟
وهل سَبيتم نِساءَ الرومِ قاطـبةً بعد الفتوحِ؟ وهل في الرومِ أحياءُ؟
وهل قضيتم على الإفرنجِ كلِّهمُ؟ أم عاشَ للعُرْبِ فوقَ الأرضِ أعداءُ؟
فقلتُ يا شـاعِراً أشعارُه خلُدت أعداؤُنا كَثُـروا والعُرْبُ أشلاءُ
شرساءُ قد هاجمتْ بغدادَ وا أسفي ولامتِ العُرْبَ، والعُربانُ ما ساؤُوا
"مَنْ ذلَّ ما ساءَ" قال الشيخُ منفعِلاً بالتْ عليكم خِساسُ الناسِ والشاءُ
تلك القبيحةُ من صِهيَونَ بَذرتُها ما (لاحَ من وجهِها في البيتِ لألاءُ)
"ذَلُّوا " يقول "إذِ النسوانُ تُنذِرُهم" ( فما يصيبهمو إلا بما شــاؤُوا)
ماذا ستفعـلُ لو لامتكَ جَاهِلَةٌ سألتُهُ فأتتـنــي مـــنه آراءُ:
لا أسمعُ اللومَ من حَوَّاءَ جاحِدَةٍ أما علمتَ بـــ (أنَّ اللومَ إغراءُ)؟
فاصفحْ بحلمِكَ عن جهلٍ و مَفْرَخَةٍ فالصَّفحُ خيرٌ إذا عادتكَ خَرقاءُ
لا تعرفُ الخيرَ من شرٍّ إذا زعِلت حتى الحكيمُ إذا عادتـهُ خطَّاءُ
"مِن مَكرهنَّ" جبالُ اللهِ قد نُسفت فاحمَدْ إلهَك ما عادتك حـسنـاءُ
فقلتُ ماذا إذا ما لامني ذكرٌ أخٌ صغيرٌ، وبعضُ الناسِ أبناءُ؟
فالناسُ كلُّهمُ أبناءُ والــدِنا أبي الجميـعِ وأمُّ النـاسِ حَـوّاءُ
فقال: "أيضًا، عليك الصَّفحُ" مبتسمً ففي الإدارةِ تشــديــدٌ وإرخاءُ
وقد سمِعتُ عن الجُهَّالِ مثلِهمُ لا يفقَهونَ، لهــم في الصُّحْفِ غَوغاءُ
لا تنشرِ القولَ عمَّا سـوفَ أُخبِركمْ عنهم كَسِرٍّ فما للسِّــرِ إفشاءُ
جَلَستُ أكتبُ ما يُمليه في عجلٍ حتى تعبتُ وفي الأسرارِ أعْبـاءُ
وصرتُ أنفِرُ ممّا كان يُخـبِرُني بعضُ الحديثِ به عَيبٌ وفحشاءُ
فقلتُ هذا هِجاءٌ لستُ أَنشدُهُ فأنت يا شيــخُ مدّاحٌ وهجَّاءُ
فقالَ جنّيُّهُ سَجِّلْ مُــداخَلَتي بيتاً أُضيفُ، بـهِ داءٌ وأدواءُ:
سأكتمُ السِرَّ إن تابوا مُهادَنَةً وإن أساؤُوا فهم واللهِ قدْ شـاؤُوا
فقلتُ أقبَلُ ذاكَ البيتَ أكتُبـهُ قد جازَ في مهنتي صَـفحٌ وإعفاءُ
أطربتني قلتُ يا جنِّيُّ مُنْبهِـراً أنت البليغُ ولم تكشِفْكَ أضـواءُ
منْ أينَ جئتَ؟ أمِنْ بغدادَ جَدُّكمُ؟ كلاَّ ، أجـابَ، فدارُ الأهلِ صنعاءُ
ألستَ جنِّيَ هذا الشيخِ، أينَ هُوَ؟ أخفيتُهُ قالَ: ما في الســـحرِ إبقـاءُ
إنّي تقمصْتُ شخصَ الشيخِ أنصحُكمْ وقد أزورُكَ إن لامتكَ أعـــداءُ
فقُلتُ إنْزِلْ بداري لا تَفــارقُني فيكَ الوَفاءُ إذا أعداؤُنا جاؤُوا
وأنتَ تنفُثُ أشعــاراً تُلقِّنُني بلا عَناءٍ أغنِّي الناسَ إن شاؤوا
فقال: خيراً فإنَّ اللهَ سـخّرني لمثلِ هذا شيوخُ الجنِّ أحـياءُ
فاحمَدْ إلهَكَ إن ناديتَ تطـلبُني أعدو إليك وللخيراتِ عــدَّاءُ
حمِدتُ ربّيَ لم نَحقِـدْ على أحـدٍ نحنُ الأطبّاءَ ما في قلبِـــنا داءُ
فكم سَمعنا نُباحـاً فــي مرابِعِنا فما انثنيا وما تَعْـوي الأطــبّـاءُ
وكم غَضَضْنا عنِ الأشرارِ نُمْهِــلُهم وما ذَلَلْنا ولم نُهْمِلْ إذا ساؤُوا
نحنُ الأطباءَ لا نسعى لسـيّئةٍ فللطبيبِ عن السـوآتِ إغضاءُ
4 مايو 1998