البحار
فتحتُ بابـــيَ للتـوديـعِ والقُبَــــلِ بلا دُمـــوعٍ ولا حُــــزنٍ ولا وَجَــــلِ
ولا حــديثٍ ولا شِعـرٍ ولا خُطـبٍ ولا عِتـــابٍ ولا هَجــوٍ ولا غـــــزلِ
وســـرتُ بين أصيحابــي أودِّعُهـم وكنتُ أقرأ ما فـــي القـلبِ فــي المُقلِ
ثـم انـثـنـيـتُ إلى كُتْـبي ومَحـفظتي وذكرياتــــي وأشعــاري علــى مهلِ
وقمتُ أَحــــزِمُ أوراقــي وأمتِعَـــتي في طيِّهـــا ذكريــاتُ العَشرِ والعِــلَ(1)
وعُــدتُ أحمِــل طيَّاتــي لأُلقِيَــهــا عن كاهِلي في طَــويِّ الدهـرِ والطَّلَلِ(2)
فجــادتِ النفسُ أشعــاراً أُتمتِمُــهــا تُهَدهِـــدُ النفسَ تُلهيني عــن العــذَلِ
بالأمسِ جئتُ بأحــــلام تُفـجِّرُنــي واليومَ عُدتُ بـــلا حُلـــمٍ ولا أمَـــلِ
ومـــا حَلَمت بكُـــرسيٍّ ولا ذهــبٍ ولا رضِيت لــــذاكَ الطــبِّ بالفَشَــلِ
لكن حَلَمتُ بــــأنْ نَرقى إلى زُحــلٍ فمـا ارتقينا ولـــم نَنظُــر إلى زُحــلِ
لكن نَظَرنا إلى مــــنْ دونَنَا سُبُــلاً فلا اهتدينا ولا سِرنـــا على السُّبـــــلِ
واليومَ نحـــنُ بـلا آسٍ يطبِّبُنـــا ولا احتجــــامٍ ولا كـــيٍّ ولا عَسـلِ
ما بـــالُ قـوميَ لاموني بلا سبـبٍ دَعني لقلــبي(3) وخلِّ العـذلَ للبـــدلِ
قـد صُنتُ نفسي بعـــونِ اللهِ مفتخِـراً ومــــا وَهَنت لإِغــــراءٍ ولا زَلَــلِ
لـم أجنِ شيئاً ولـم أجـــنِ على أحـدٍ لكـــن مَلِلْــتُ من الأقوالِ والقَــوَلِ(4)
فقلتُ للنفسِ هيّـــا للرحيـلِ فـمــا فـــي الجسمِ متَّسَـــعٌ للسـعِ والحِيَـلِ
سأرحــــلُ اليومَ بحّــاراً بقارِبهـم ولست أخشى علـــى ثوبي مــنَ البَلَلِ
ما زلتُ كالصخرة الصمّـاءِ مفتخراً والكاشحُ الناطــحُ الصمّــــاءَ كالوَعَلِ(5)
20 مايو 1991
قصة القصيدة: كان الشاعر يستعد لترك منصب وكيل وزارة الصحة عندما كتب هذه الأبيات.
الشرح:
1- العشر: عشر سنوات في منصب وكيل وزارة الصحة.
2- طوي: بئر (خليج) وفي اللغة طوّية.
3- إشارة إلى تخصص الشاعر في أمراض القلب.
4- القوَل: القول وهو الكذب، حرك للضروة.
5- في البيت إشارة إلى بيت الأعشى: (كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها فلم يضرها وأدمى قرنه الوعلُ)