لقد غاب والدي
مناسبة القصيدة: وفاة والد الشاعر.
نُعيتمْ وهذا النعيُ يُشقي فيــا ويلي وبِنتُمْ وهـذا البَينُ نأيٌ بــلا وَصلِ
رَحلتمْ عن الدنـيا رَحيلاً مُـلوِّعاً رحيلاً إلى الأجداثِ فـي موكِبٍ جَزلِ
تَسيرُ إلى الأمواتِ في النعشِ صامِتاً تَسيرُ بلا بشـتٍ إليهم ولا نَعلِ(1)
رَحلتمْ عن الدنيا رحيلاً مـؤبَّداً رحيلاً إلى الأجـداثِ رَوحاً بلا قَفلِ
سقى اللهُ أيّـاماً نَعِمْتُ بقـربِكمْ فيا ويحَ أيّامي ويـا ويحَ مَن مثلي
فُجِعنا وأحســـسنا برُزءٍ مُعذِّبٍ وأَصبحَ جفنُ العينِ بالدمعِ كالسَّجلِ(2)
فيا ربِّ صـبِّرني لقـد غـابَ والدي وأثقلنـي غمِّي وأذهبَ مِـن عقلي
فيا ربِّ صــبِّرني لقد ماتَ والدي وخلّفـني باليُتمِ أشــعُرُ كالطفلِ
وأعلَمُ أنَّ المـوتَ للشيخِ راحـةٌ فقد كانـتِ الأمراضُ في جسـمهِ تُبلي
ولكنّني أذعــنتُ للقلـبِ طائعاً وقد عصفت في القلبِ عاصفةُ الثُّكلِ
فأطلقتُ دَمعـي باكـياً بحَرارةٍ أنوحُ كما ناحت على والدي أهلي
وأحفادُهُ مثلي تجـــودُ بدمعِـها فُروعٌ تجودُ الدمعَ تَبكي على الأصلِ
وقد أحْصَرَ الدمعُ اللسانَ عـن الرِّثا فيا مُقلتي سِحّي الدموعَ ولا تَســلي
أبعدَ افتقادي الشيخَ آلَفُ صــاحِباً أبثُّ له سِـرِّي وآمَـنُهُ حَمْــلي؟
فيا والــدي إنّي يُـمزِّقُني الأســـى ويُحرق أحشائي وفي خاطري يُصلي
ولستُ الذي يَسطيعُ حصرَ خِصـالِكم وقد حالفتْ عينايَ قلـبي على خذلي
حكمتَ بشـرعِ اللهِ قد كنتَ مُصلِحاً وساويتَ بينَ الناسِ في القولِ والفِعلِ
فإن كان في الأمواتِ مثلُكَ في التُّقى فلم يبقَ في الأحياء مثلُكَ في العدلِ
فقيهٌ أديبٌ عــالِمٌ متــواضِعٌ مُحِبٌّ لفعلِ الخـيرِ ما لَكَ مِن مثلِ
أَغَصُّ فلا أسطيعُ أنْ أجــزِلَ الثَّنا علـى والدي والفِعلُ يُغنيهِ عـن قولي
وأَشرَقُ بالدمــعِ الغـزيرِ إذا بَدا خَيالٌ له في البـيتِ يجلِسُ للأهـلِ
سأُبصِرُهُ قُربي وإن كان قــد نأى سأُبصـرُه بالعـينِ والقـلبِ والعقلِ
تُؤَرِّقُنـي الذكـرى إذا لاح طيفُه فأذكرُ مــا يتلو علينا وما يُملي
تُهيّجُ ذِكــراه عَصـاهُ وكتبُهُ ومسباحُه والبشـتُ في اليومِ والليلِ
فأبكي بدمعٍ قــد تَفجَّرَ مِن دَمي وفاضتْ به عَيني ومِن حَسرَتي يَغلي
سأبكي عليه كلّـــما لاحَ طيفُه بلحيتِهِ البيـضـــاءِ والشعَرِ الجَثْلِ(3)
سأبكي عليــه كلما لاح مِنْبَرٌ ورُتِّل قــرآنٌ وحُدِّثَ عــن رُسلِ
سأبكي وأرجو رَحـمةَ اللهِ والرضا وغُفرانَه والحَشرَ مجتـمعي الشـملِ
فيا ربِّ صبِّرني علـى الغمِّ والأســى ويا ربّيَ ارحمهُ فقد كـانَ ذا عدلِ
الشرح: 18 يوليو 2002
-
البشت: العباءة الرجالية (خليجية).
-
السَّجل: الدلو الكبير.
-
الجثل: الشعر الكثيف. اقرأ رثاء والدي